بيانات عاجله

مصر 2007

  القاهرة في 21 نوفمبر 2007

مصر

هجوم على العدالة

(مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية )

من خلال متابعة المركز لمشروع قانون مجلس الهيئات القضائية ، وللأهمية الخاصة لهذا القانون الذي ينظم عمل القضاة، وهم المكلفون باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم ، ومما يستتبعه ذلك من وجوب أن يكون للسلطة القضائية الولاية الكاملة على جميع المسائل ذات الطابع القضائي ، كما تنفرد بسلطة البت في جميع المسائل ذات الشأن بأعضائها، فإن المركز يبدي ملاحظاته على مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية والمعد من قبل وزير العدل المصري .

ويؤكد المركز أن إنشاء مجلسا للهيئات القضائية يجد سنده الدستوري في المادة 172 من الدستور المصري ، الأمر الذي يؤدى إلى عدم الاعتراض على إنشاء مثل هذا المجلس من حيث المبدأ ، لكن مشروع القانون بوضعه الحالي أصيب بعوار شديد ومخالفة واضحة لأحكام الدستور وقانون السلطة القضائية ، وذلك على النحو التالي :

  • المادة الأولى من مشروع القانون بشأن اختصاصات هذا المجلس المزمع إنشاؤه أفرغت تعديلات قانون السلطة القضائية من مضمونها ، بحيث بدى الأمر وكأن ما منحته هذه التعديلات من ضمانات للقضاة يأتي هذا المشروع ليعصف بها .
  • مثلت هذه المادة اعتداء واضحا على اختصاصات مجلس القضاء الأعلى وكذلك المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة خاصة المادة 77 مكرر 5 من تعديلات قانون السلطة القضائية الأخيرة ، وهو ما يعد انتقاصا من استقلال هذه المجالس .

ويقترح المركز في هذا الشأن أن تظل اختصاصات المجالس المذكورة على النحو المقرر في قانون السلطة القضائية وقانون مجلس الدولة ، على أن يتولى المجلس المزمع إنشاؤه القيام باختصاصات تجد حدودها في أخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم شئون الهيئات القضائية والتنسيق بينها دون المساس باستقلالها أو اختصاصاتها .

·    كما يرى المركز إلغاء اختصاص هذا المجلس فيما يتعلق بتحديد أسماء أعضاء الدائرة الأولى للمحكمة الإدارية العليا من الشخصيات العامة ، لأن ذلك شأنا قضائيا خالصا ينبغي أن تختص به المحكمة ذاتها ، وعلى الرغم من هذا التشكيل الشاذ لدائرة قضائية ، فإن المركز يرى أن يختص المجلس الخاص بالشئون الإدارية لمجلس الدولة بتحديد أسماء هذه الشخصيات .

·    كما أن هذا المشروع وفى المادة الأولى منه إذ يعطى وزير العدل حق إحالة أيا من الموضوعات الأخرى التي تتعلق بأي شأن مشترك للهيئات القضائية ، فإن ذلك اختصاص بالغ الخطورة يأتي في إطار نصا فضفاضا يسمح لوزير العدل باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية بالتدخل غير اللائق في أمور قد تتعلق بالشأن القضائي الخالص .

·    يقترح المركز أن يحل رئيس الجمهورية – بوصفه رئيسا للدولة أو أحد رؤساء الهيئات المكونة للمجلس المزمع إنشاؤه – بالحق في عرض أي موضوعات تتعلق بالشئون المشتركة للهيئات القضائية .

 بشأن المادة الثانية من مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية المزمع تقديمه :

  • أولا : يرى المركز أنه لا يجوز أن يكون وزير العدل عضوا في مجلسا تكون عضويته قاصرة على السادة رؤساء الهيئات القضائية المستقلة ، ولا يجب أن يرأس وزير العدل باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية مجلسا مكونا من رؤساء المحاكم العليا المصرية ، وهى (محكمة النقض – المحكمة الدستورية العليا – مجلس الدولة) لأن في ذلك إنهاء واقعيا لاستقلال هذه الهيئات ، وشبهة تبعيتها لوزير العدل
  • ثانيا : أنه يجب إخراج المحكمة الدستورية ورئيسها من هذا التشكيل ، حتى يرفع الحرج عن المحكمة الدستورية العليا وضمان استقلالها وحتى تستطيع ممارسة دورها الرقابي وتظل رقيبا على دستورية كافة القوانين وفقا لأحكام المادة 175 من الدستور .
  • ثالثا : يرى المركز أن وجود رئيس محكمة استئناف القاهرة ضمن هذا التشكيل ومساواته برئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى أمرا يفتقر للشفافية وبه خروج عن الأعراف القضائية وكذلك أحكام نص المادة 173 التي تقرر أن هذا المجلس للهيئات القضائية المستقلة والتي يمثلها القضاء الطبيعي محكمة النقض ، وفى القضاء الإداري مجلس الدولة .
  • رابعا : وجود هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية ضمن هذا التشكيل لا يتفق والمنطق القانوني السليم ، حيث لا يجب أن يجمع المجلس بين ممثل دفاع الحكومة ومعاونوها ورؤساء الهيئات القضائية المنوط بها الفصل في نزاعات تكون الحكومة طرفا أساسيا فيها .
  • ويقترح المركز أن يرأس رئيس الدولة رئاسة هذا المجلس على أن يحل محله حال غيابه رئيس مجلس الدولة أو رئيس محكمة النقض أيهما أكبر سنا أو رئيس المحكمة الدستورية العليا حال الإبقاء عليه ضمن تشكيل هذا المجلس .

بشأن المادة الرابعة :

  • أولا : فيما يتعلق بمكان انعقاد المجلس ، فإن المركز يرى أنه لا يجوز ولا يجب أن يكون مكان انعقاد جلسات هذا المجلس بديوان وزارة العدل لما في ذلك من مساس بهيبة واستقلال الهيئات القضائية المشكلة له ، ويرى المركز أنه من الأفضل أن يكون مكان انعقاد هذا المجلس بديوان محكمة النقض أو ديوان المحكمة الدستورية العليا أو مجلس الدولة .
  • ثانيا : فيما يتعلق بصحة إصدار قرارات المجلس والتصويت على هذه القرارات ، فإن النص على ما هو عليه يضمن للسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل ثلاثة أصوات تخضع لإشرافه وهم : النيابة الإدارية – هيئة قضايا الدولة – النائب العام ، ويكون بذلك قد ضمن هذه الأصوات الثلاثة إضافة إلى صوته ، الأمر الذي يثير العديد من بواعث القلق بشأن النسبة المقررة لصحة القرارات الصادرة عن هذا المجلس .

بشأن المادة الخامسة :

  • جاء مشروع القانون بما يعد إهدارا لقواعد العدالة وضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة للقضاة ، وذلك من حيث أنه :
  1. لا يستقيم ويعد اعتداء على استقلال القضاة أن يحاكم أحدهم أو يتظلم أمام هيئة تضم محامين الدولة والنيابة الإدارية ورئيس استئناف القاهرة حال أن يكون المشكو في حقه أحد نواب النقض أو الدستورية أو مجلس الدولة .
  2. أن مشروع القانون قد حرم القضاة من أبسط قواعد المحاكمة العادلة والمنصفة، من حيث استمرار التحقيق قبل الفصل في التظلم ، وكذلك صحة إجراءات التحقيق حتى لو صدر قرار من اللجنة المنصوص عليها في المشروع بإلغاء الإذن بالتحقيق .
  • ويرى المركز أن صياغة هذه المادة على النحو الموجود في مشروع القانون يشوبه عوار دستوري وإخلال بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة ، ويرى المركز إعادة أمر التحقيق وتأديب ومحاكمة أعضاء الهيئات القضائية أمام مجالسهم العليا ، وكذلك وفقا لقانون السلطة القضائية .

خاتمة

يرى المركز أن مشروع القانون على النحو المقدم به يمثل اعتداء صارخا على مبدأ استقلال القضاء وإهدار لضمانات استقلال القضاة ، كما يمثل – وهو ما يدعو إلى الدهشة – إلغاء للضمانات التي منحت للقضاة بموجب التعديلات الأخيرة لقانون السلطة القضائية رقم 142 لسنة 2006 والتي تمتع بها القضاة خلال ستة عشر شهرا فقط .

كما يرى المركز أن هذا المشروع يمثل مساسا واضحا بضمانات وحقوق القضاة وهيئاتهم العليا ، ومساسا بهيبة القضاة واستقلالهم من قبل السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل وإحكاما لتغول وسيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية .

ويرى المركز، انه قد يكون من الجيد عرض مشروع القانون على قضاة مصر ، وذلك للاسترشاد برأيهم في مشروع القانون المنظم لأعمال مهنتهم ، والمخاطبين بأحكامه ، وبحكم كونهم أقدر ، وعبر الممارسة العملية ، بفهم دقائق الأمور التي قد تدعم استقلالهم ، أو تخل به .

"وأنه ينبغي على الحكومات أن تراعي وتحترم في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية ، المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية ، وأن تعرض هذه المبادئ على القضاة والمحامين وأعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية والجمهور بوجه عام"  . وذلك وفقا لديباجة مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية  .

 

 

                                                                                                                         رحوع