بيانات عاجله

مصر 2008

 

القاهرة 9 يوليو 2008

تعليق المركز

على مشروع قانون تنظيم البث المسموع والمرئي

 

يعرب المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة عن قلقه البالغ من مشروع قانون تنظيم البث المسموع والمرئى والمقدم من وزارة الإعلام المصرية والذى تزمع الحكومة المصرية تقديمه لمجلس الشعب مع بدء الدورة البرلمانية القادمة .

ويرى المركز أن هذا القانون حال إقراره يعد من أخطر القوانين التى تصادر وتضيق على الحريات العامة والتى تجعل مصر فى مصاف الدول الاستبدادية ، ويأتى هذا القانون ضمن سلسلة من التشريعات التى تشهدها الحقبة الحالية ، ومن ذلك قانون الهيئات القضائية وقانون المرور الأخيرين على سبيل المثال .

والمركز ومن خلال مطالعة لنصوص مشروع قانون تنظيم البث المسموع والمرئى قد تبين له وبصفة عامة أن هذا المشروع قد احتوت العديد من نصوصه على قدر كبير من عدم تحديد وغموض الأفعال التى يجرمها ويحدد لها عقوبات كمصطلحات تهديد النظام العام والآداب والسلام الاجتماعى والوحدة الوطنية والآداب العامة بطريقة تجعل مضمون هذه النصوص خافية على أوساط الناس باختلافهم حول فحوى هذه الأعمال لأنها غير معرفة بطريقة قاطعة بالأفعال المنهى عن ارتكابها ومجهلة بها ومؤدية إلى إبهامها .

الأمر الذى يترتب عليه أن يكون إنفاذ العديد من هذه النصوص مرتبطة بمعايير شخصية لدى جهة الإدارة قد تخالطها الأهواء ، وهى معايير مرجعها إلى تقدير القائمين على تطبيق النصوص لحقيقة محتواها وإحلال فهمهم الخاص لمقاصد النصوص التى قد يتجاوزوها إلتواء بها أو تحريفا لها .

كذلك ، فإن غموض العديد من نصوص مشروع هذا القانون سوف يؤدى وبالضرورة إلى التطبيق الانتقائى لهذا القانون والذى قد ينطوى على التحكم فى أغلب الأحوال .

كذلك ، فإن العديد من المخاطبين بأحكام هذه النصوص سوف يختلط عليها نطاق الحظر وقد تمتنع عن ممارسة الأعمال والأنشطة التى داخلهم شبهة حظرها ، وإن كان الدستور المصرى والقانون فى معناه العام لا يحظر ممارستها .

وهى أمور سوف تعصف بالحق فى حرية الرأى والتعبير والحق فى حرية تداول المعلومات والحصول عليها بما سوف يؤدى إلى تضييق نطاق الحقوق والحريات الأساسية المكفولة للمواطنين بموجب الدستور المصرى والمواثيق الدولية .

الأمر الذى يدمغ العديد من هذه النصوص بشبهة عدم الدستورية ، كذلك ، فإن هذا المشروع فى حالة إقراره سوف يعد وبالضرورة عودة إلى زمن الرقباء .

والمركز ، ومن خلال مطالعته لنصوص المشروع فقد بدت له العديد من الملاحظات على صياغة نصوصه ، ومن ذلك :

1. نص المادة 1 المتعلقة بقيام الرقابة على كل أنواع البث المسموع والمرئى والذى يشمل وفقا للبند الرابع من هذه المادة "كل إذاعة أو إرسال أو إتاحة مشفرة أو غير مشفرة لأصوات أو لصور أو لصور وأصوات معا أو أى تمثيل آخر لها أو لإشارات أو كتابات من أى نوع كانت لا تتصف بطابع المراسلات الخاصة بما يسمح بأن يستقبلها أو يتفاعل معها الجمهور أو فئات أو أفراد معينه منه ، ومن ذلك ما يتم عن طريق وسائل سلكية أو لاسلكية أو عن طريق الكابلات والأقمار الصناعية أو عبر الشبكات الحاسوبية والوسائط الرقمية أو غير ذلك من وسائل وأساليب البث أو النقل والإرسال والإتاحة ويعتبر من قبيل البث أى إذاعة أو إرسال أو إتاحة مشفرة أو غير مشفرة فى الحالات التى يمكن فيها لأفراد من الجمهور أن يختار الواحد منهم بنفسه وقت الإرسال ومكان استقباله"

الأمر الذى يجعل الجهاز القومى لتنظيم البث المسموع والمرئى المزمع إنشائه بمثابة جهاز رقابة أمنية على كل وسائل الإعلام المصرية أو التى تبث فى مصر بما فيها القنوات التليفزيونية والإخبارية وشبكات الانترنت بما يتضمنه من خدمات مثل الإيميل والفيسبوك والمدونات الشخصية ، الأمر الذى يشير إلى أن هناك استعداد لمسائلة كل هيئة أو جهة أو شخص عن إرسال أو استقبال رسائل مسموعة أو مرئية أو مسموعة ومرئية عبر الوسائل السابق ذكرها وهى إجراءات تدرج على اتخاذها الدول الاستبدادية التى تعصف بحق حرية الرأى والتعبير وتدفق المعلومات والمعرفة وتجنح إلى السيطرة الكاملة على الوسائل الإعلامية ومحتواها ومضمونها منصبة نفسها رقيبا على المجتمع وثقافته ووعيه وهو ما يشبه قانون حماية القيم من العيب الذى صدر فى أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات .

2. نص المادة 2 بفقراتها الست قد جاءت على نحو فضفاض غير محدد تحديدا دقيقا للالتزامات والمحظورات على عاتق القائمين بخدمات البث المسموع والمرئى من حيث:

-    تضمن النص لمفردات مجهلة تجهيلا واضح فى عبارات "علانية وشفافية المعلومات وحماية حق الجمهور فى الحصول على المعلومات السليمة" ، وعبارة "عدم التأثير سلبا على السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية ومبدأ المواطنة والنظام العام والآداب العامة"

-    حيث وردت هذه الصياغة مخالفة للقواعد العامة فى صياغة النصوص القانونية التى تقتضى أن تصاغ التشريعات سيما العقابية منها أو التى تضيق من نطاق الحقوق والحريات بطريقة توفر لها الحد الأدنى من الأسس اللازمة لضبطها والتى تحول كأصل عام بين القائمين على تنفيذها وإطلاق العنان لنزواتهم أو سوء تقديراتهم ، وأنه يجب أن تصاغ فى حدود ضيقة لضمان أن يكون تطبيقها محكما ، حيث أن عموم عباراتها واتساع قوالبها قد يصرفها إلى غير الأغراض المقصودة منها ، وهى تحض دوما على عرقلة حقوق كفلها الدستور المصرى والمواثيق الدولية ، أو تتخذ ذريعة للإخلال بها وفى مقدمتها حرية التعبير .

-    جاءت صياغة المادة  الثانية متحللة من هذه القواعد من جهة ، ومخالفة لأحكام قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 ، سيما المواد 6 ، 7 ، 8 ، 9 ، 10 ، الأمر الذى يعطى مكنات واسعة للجهاز القومى لتنظيم البث المسموع والمرئى تمكنه من قمع وسائل الإعلام ، وتخويف وترويع القائمين على وسائل البث المسموع والمرئى ، ويهدد الصحفيين باعتبارهم الخبراء الأساسيين فى القنوات الإعلامية ويعرض أمنهم المهنى للخطر .

-    كما أن هذه المادة استخدمت صياغة تحكمية غير موضوعية حيث اشترطت ضرورة الحصول على المعلومات السليمة ، وهو مايثير العديد من بواعث القلق بشأن الجهات أو الجهة التى سوف تحدد مدى سلامة المعلومات من عدمها ، الأمر الذى سوف يطيح بالعديد من حقوق الصحفيين والإعلاميين سيما فى حكومة لا تحترم حق تدفق المعلومات ، ولا تدرج هذا الحق فى إطار دساتيرها ، بما قد يدفع الصحفيين والإعلاميين للسعى لدى أجهزة أمنية ورقابية قبل الإذاعة أو الأخبار ، وهو ما يعد فى حقيقته عودة إلى زمن الرقيب .

-    كذلك تستخدم هذه المادة فى صياغتها تعبيرات تتنافى مع الصياغة التشريعية السليمة حيث نصت على توفير الخدمة الشاملة للجمهور بما يتفق مع التطور الديمقراطى ، وهو أمر يثير القلق بشأن الخدمة الشاملة الذى يعد تدخلا فى صنع السياسة الإعلامية أو الإذاعية للجهة مصدر البث .

-    كما أن تعبير أن تكون هذه الخدمة تتفق مع التطور الديمقراطى قد  من الصياغات الهادفة لتقويض النشاطات الإعلامية بحجة كونها لا تتفق مع التطور الديمقراطى وهى صياغات تتسم بها النظم الشمولية التى غالبا ما استخدمت تعبيرات أن القانون يجب أن يراعى الحالة الثورية والقيم الاشتراكية .

-    كما أن هذه الصياغة تمثل عودة إلى استخدام المصطلحات غير المعرفة تعريفا دقيقا ، والتى يترك أمر تعريفها إلى جهة الإدارة ، وهو الأمر الذى دأبت المحاكم العليا المصرية إلى رفضه ورفض هذه المصطلحات لما تأتى به من آثار سلبية تجعل القبضة الأمنية أشد قسوة ضد كل من تريد أن تعاقبه بحجة مخالفة مثل هذه التعريفات .

نص المادة 5 الفقرة الثانية منها التى منحت الجهاز حق وضع الأسس والقواعد التى يتم بناء عليها منح التراخيض والتصاريح التى يصدرها الجهاز ووضع اللوائح التنفيذية لهذه الأسس والقواعد متضمنه تحديد المقابل المالى للتصاريح والتراخيص والخدمات التى يقدمها الجهاز .

-    فقد صيغت بطريقة تخالف قواعد القانون العام وأحكام المحاكم العليا المصرية ، حيث أن مثل هذه القوانين يجب أن ينص فى صلبها على الاشتراطات اللازمة لمنح مثل هذه التراخيص أو التصاريح ، حيث لا يترك للجهة الإدارية القائمة على التنفيذ وضع الشروط ، حتى لا تتعسف فى وضع شرط تقوض بموجبها الحق الممنوح بالقانون ، وذلك على غرار كافة القوانين التى تستوجب استخراج تراخيص إدارية .

نص المادة 5 فى فقرتها الثالثة بشأن اختصاصات الجهاز القومى لتنظيم البث المسموع والمرئى ، والتى منحت هذا الجهاز تحديد الاشتراطات الواجب توافرها فى المرخص والمصرح له ، وعلى الأخص فيما يتعلق بالطبيعة القانونية والشروط الفنية والتقنية والمالية .

-    جاءت بطريقة تؤدى إلى تحكم هذا الجهاز فى الطبيعة القانونية للأشخاص الاعتبارية أو الطبيعة المصرح لها وهو ما يعد مخالفة صريحة كذلك للقواعد القانونية التى تقتضى أن ينص فى القانون ذاته على طبيعة الأشخاص الذين يمكن منحهم ترخيصا ما كونهم إما أشخاص اعتبارية أو طبيعية دون ترك الأمر فى يد هذا الجهاز .

-    الأمر الذى قد يثير العديد من المخاوف وبواعث القلق بشأن هذه الصياغة التى قد يكون الغرض منها السيطرة  التحكمية على الكيانات التى سوف يرخص لها بالقيام بتقديم هذه الخدمة .

نص المادة 12 بشأن تشكيل مجلس إدارة المجلس المزمع إنشاؤه برئاسة وزير الإعلام ، يبدو فيه أنه تشكيل حكومى حيث نص على عشر مقاعد حكومية مقابل أربعة من الخبراء واثنين من الشخصيات العامة ، وهو تشكيل يفصح عن الرؤية الحكومية والأمنية لتكوين الجهاز وعدم الاعتداد والاعتبار لقيم أصحاب المصلحة من رؤساء وأصحاب القنوات التليفزيونية والمواقع الالكترونية .

نص المادة 12 فى فقرتها الأخيرة والتى نص فيها على إمكانية تشكيل لجنة من أعضاء مجلس الإدارة أو من خبراء من غير مجلس الإدارة وهو ما يخشى معه أن توكل أمور متعلقة بالموافقة على منح التراخيص أو منعها إلى لجنة يكون قوامها أعضاء من أجهزة أمنية .

نص المادة 22 بشأن الحصول على تصاريح والبت فى طلبات الحصول على تصاريح ، والتى حدد النص فيها للجهاز مدة لا تتجاوز تسعين يوم من تاريخ تقديم الطلب للرد ، ثم أعطاه النص مدة أخرى مماثلة ، وأنه إذا لم يبت الجهاز فى الطلب خلال تلك المدة أعتبر الطلب مرفوضا .

-    يرى المركز أن صياغة هذا النص بوضعه الحالى تمثل مصادرة على الحق فى إنشاء القنوات والمواقع الإلكترونية ، وعصفا بالحق فى حرية الرأى والتعبير والحق فى تدفق المعلومات ، حيث أن مشروع القانون لا يلزم هذا الجهاز الرقابى بمنح التراخيص إذا توافرت شروطا محددة على سبيل الحصر .

-    وأن هذا النص جعل أصحاب الحق المكفول بالنصوص الدستورية والمواثيق الدولية ، لا يتمتعون بممارسة حقهم إلا بعد الحصول على أحكام قضائية قد يطول مداها ويكتنف تنفيذها حال صدورها العديد من المخاوف .

نصوص المواد من 33 إلى 42 تضمنت خروجا على مبادئ الشرعية ومصادرة للحق فى حرية الرأى والتعبير من الوجوه التالية :

-    تضمنت المواد تهديدا بالحبس الوجوبى  قد يشمل كل من يعيد بث مادة إعلامية مصورة أو مسموعة عبر شبكة الإنترنت مستخدما فى ذلك الإيميل أو الفيسبوك أو المدونات الشخصية المتاحة للكافة والتى يمكن الاطلاع عليها ، أو إتاحة أى مادة مسموعة أو مرئية عبر أى وسيلة سواء كانت سلكية أو لاسلكية , وهو ما قد يشمل أيضا  الرسائل الصوتية للتليفونات المحمولة التى يتداولها المواطنين .

-    جرمت هذه المواد إستيراد أو تصنيع أو تجميع الأدوات المستخدمة فى البث وهو ما يهدد تجارة قطع غيار أجهزة الأقمار الصناعية وشركات البيع والمصانع ، الأمر الذى يعيد إلى الأذهان ما كان يحدث فى الماضى فى مصر من إلزام كل مستخدمى أجهزة الفاكس والكمبيوتر والآلة الكاتبة بالحصول على تصريح من هيئة الأمن العام ، الأمر الذى يؤكد على الطبيعة الأمنية لهذا الجهاز وأن الأمر لا يتعلق بجودة أو مضمون أو محتوى المنتج الفنى أو الإعلامى بغرض الحفاظ على الآداب و المصلحة  العامة .

-    تضمن نص المادة 37 مخالفة واضحة للشرعية العقابية التى تقتضى ألا يعاقب الشخص عن فعله مرتين ، حيث جاء نص هذه المادة بتعدد العقوبة المالية بتعدد التسجيلات أو النسخ الصوتية أو البرامج الإذاعية محل الجريمة أو عدد التوصيلات التى وصلت إلى الجمهور بغير إذن كتابى مسبق من هيئة البث .

-    جاء نص المادة 41 كذلك مخالفا لأبسط قواعد الصياغة القانونية حيث عاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر كل من أفصح أو أدلى ببيانات أو معلومات لا يجوز الإفصاح عنها  أو الإدلاء بها متى تعلقت بنشاط الجهاز أو بالمرخص أو بالمصرح له سواء كان علمه بها بسبب عمله أو لأى سبب آخر .

-    وتكتنف هذا النص شبهة عدم الدستورية كذلك لعدم تحديده تحديدا واضحا كنه وطبيعة المعلومات التى لا يجوز الإفصاح عنها ، ويؤكد الطبيعة الأمنية لعمل الجهاز والتى تصل إلى تطبيق عقوبة الحبس على العاملين بالجهاز أو غير العاملين به وهو ما يعد تهديدا واضحا للإعلاميين بعدم نشر أى معلومات قد تصل إلى علمهم بأى طريقة وهو نص فريد من نوعه تخلو التشريعات المنشئة للأجهزة الإدارية والمجالس القومية من مثيل له لأن مثل هذا النص يصادر على حق الصحفيين والإعلاميين فى حرية تناول المعلومات .

-    جاء نص المادة 42 كذلك بخروج على مبادئ شرعية العقوبات التى تقتضى بأن العقوبة شخصية ليعيد إلى الأذهان المسئولية الافتراضية لرؤساء التحرير والتى سبق وأن حكمت بعدم دستوريتها المحكمة الدستورية العليا المصرية .

نص المادة 44 جاء بمخالفة واضحة لأحكام الدستور والقانون من حيث الآتى :

-    علق تحرك الدعوى الجنائية على طلب من رئيس الجهاز فى مخالفة لأحكام قانون الإجراءات الجنائية المصرى الذى نص صراحة وعلى سبيل الحصر على الجرائم التى تغل فيها يد النيابة العامة عن تحريك الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى أو طلب وهى فى غالبها جرائم تقع على أحاد الناس مثل جرائم الزنا والسب والقذف وجرائم الأسرة ، وعدا هذه الجرائم فللنيابة العامة وحدها حق تحريك الدعوى الجنائية دون طلب أو شكوى .

-    هذه الصياغة تؤكد معدى القانون لم يفرقوا ما بين الجرائم التى تقع بحق المجتمع والنظام العام والجرائم التى تقع بحق أحاد الناس رغم أن القانون مقدم على أنه ينظم ويحمى عملية البث المرئى والمسموع حفاظا على السلام الاجتماعى والآداب العامة والوحدة الوطنية .

-    إلا أنه من الجهة الأخرى علق تحريك الدعوى الجنائية ضد من يخالف أحكامه على طلب من رئيس الجهاز وأحل رئيس الجهاز محل النيابة العامة بوصفه أمينا على مصالح المجتمع وآدابه العامة ، مما يخشى معه وجود تفرقة تحكمية لا تخلو من هوى تجاه من سوف تطبق عليهم أحكام هذا القانون .

 

                                                                                                                                                                                                       رجوع