بيانات عاجله

مصر 2008

القاهرة في 11 يونيو 2008

مصر

مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية

انتهاك جديد لاستقلال القضاء في مصر

من خلال متابعة المركز لمشروع قانون مجلس الهيئات القضائية ، وللأهمية الخاصة لهذا القانون الذي ينظم عمل القضاة ، وهم المكلفون باتخاذ القرار الأخير بشأن حياة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وواجباتهم وممتلكاتهم ، ومما يستتبعه ذلك من وجوب أن يكون للسلطة القضائية الولاية الكاملة على جميع المسائل ذات الطابع القضائي ، كما تنفرد بسلطة البت في جميع المسائل ذات الشأن بأعضائها ، فإن المركز يبدي ملاحظاته على مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية والمعد من قبل وزير العدل المصرى .

يؤكد المركز أن إنشاء مجلسا للهيئات القضائية يجد سنده الدستورى فى المادة 173 من الدستور المصرى ، الأمر الذى يؤدى إلى عدم الاعتراض على إنشاء مثل هذا المجلس من حيث المبدأ ، لكن مشروع القانون بوضعه الحالى أصيب بعوار شديد ومخالفة واضحة لأحكام الدستور وقانون السلطة القضائية  المصريين ، وكذلك خروج على المواثيق الدولية ذات الصلة ، سيما مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية ، وذلك على النحو التالى :

  • المادة الأولى من مشروع القانون بشأن اختصاصات هذا المجلس المزمع إنشاؤه جاءت في إطار نص فضفاض غير محدد  لإختصاصات هذا المجلس تحديدا واضحا ، بما قد يؤدى  الى اعتبار الشئون القضائية الخاصة بأي من القضاء العادى أو الاداري مثل النقل والندب والترقيات والاعارة والتأديب شأناً مشتركاً للهيئات القضائية ، يسمح للسلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل ، بالتدخل  غير اللائق في كافة هذه الأمور ذات الشأن القضائي الخالص ، استناداً لهذه المادة و بما يؤدى الى إهدار مبدأ الفصل بين السلطات والاخلال باستقلال القضاء .

  • إقرار هذا المشروع بوضعه الحالى سوف يمثل اعتداءً واضحاً على اختصاصات مجلس القضاء الأعلى وكذلك المجلس الخاص للشئون الإدارية لمجلس الدولة ، والجمعيات العمومية للمحاكم والجمعية العمومية للمستشارين ،  وهو ما يعد انتقاصاً من استقلال هذه المجالس والجمعيات .

  • إقرار هذا المشروع بوضعه الحالى وصياغته الفضفاضه سوف يؤدى إلى إفراغ تعديلات قانون السلطة القضائية الصادرة بالقانون 142 لسنة 2006   من مضمونها ، بحيث يبدو الأمر وكأن ما منحته هذه التعديلات من ضمانات للقضاة يأتى هذا المشروع ليعصف بها.

  • ويقترح المركز فى هذا الشأن أن تحدد اختصاصات هذا المجلس تحديداً واضحاً  ، على أن يتولى القيام بإختصاصات تجد حدودها فى أخذ رأيه فى مشروعات القوانين التى تنظم شئون الهيئات القضائية المشتركة  والمتمثلة في التشريعات ذات الصلة بقوانين الرعاية الصحية والاجتماعية ، وأبنية المحاكم ، وإعداد الدراسات والأبحاث ذات الصلة بدعم العدالة واستقلال القضاء .

 بشأن المادة الثانية من مشروع قانون مجلس الهيئات القضائية :

·    يرى المركز أنه لا يجوز أن يكون وزير العدل عضواً فى مجلساً تكون عضويته قاصرة على السادة رؤساء الهيئات القضائية المستقلة .

·      ولا يجب أن يرأس وزير العدل - حسب المادة الثالثة من مشروع القانون - باعتباره ممثلا للسلطة التنفيذية مجلساً مكوناً من رؤساء المحاكم العليا المصرية ، وهى (محكمة النقض – المحكمة الدستورية العليا – مجلس الدولة) لأن فى ذلك إنهاءً واقعياً لاستقلال هذه الهيئات ، وشبهة تبعيتها لوزير العدل .

·      أنه يجب إخراج المحكمة الدستورية ورئيسها من هذا التشكيل ، حتى رفعاً للحرج عن المحكمة الدستورية العليا وضمان استقلالها وحتى تستطيع ممارسة دورها الرقابى وتظل رقيباً على دستورية كافة القوانين وفقاً لأحكام المادة 175 من الدستور .

  •  يرى المركز أن وجود رئيس محكمة إستئناف القاهرة ضمن هذا التشكيل ومساواته برئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى أمراً يفتقر للشفافية وبه خروج عن الأعراف القضائية وكذلك أحكام نص المادة 173 التى تقرر أن هذا المجلس للهيئات القضائية المستقلة والتى يمثلها في القضاء العادي محكمة النقض ، وفى القضاء الإدارى مجلس الدولة .

  • وجود هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية ضمن هذا التشكيل لا يتفق والمنطق القانونى السليم ، حيث لا يجب أن يجمع المجلس بين ممثل دفاع الحكومة ومعاونوها ورؤساء الهيئات القضائية المنوط بها الفصل فى نزاعات تكون الحكومة طرفا أساسيا فيها .

  • ويقترح المركز أن يرأس رئيس الدولة رئاسة هذا المجلس على أن يحل محله حال غيابه رئيس مجلس الدولة أو رئيس محكمة النقض أيهما أكبر سناً أو رئيس المحكمة الدستورية العليا حال الإبقاء عليه ضمن تشكيل هذا المجلس .

بشأن المادة الرابعة :

·    فيما يتعلق بصحة إصدار قرارات المجلس والتصويت على هذه القرارات ، فإن النص على ما هو عليه يضمن للسلطة التنفيذية ممثلة فى وزير العدل ضمان خمسة أصوات تعين اصحابها السلطة التنفيذية ،  مما يفقد هذا المجلس حياده، و يثير العديد من بواعث القلق بشأن النسبة المقررة لصحة القرارات الصادرة عن هذا المجلس .

·     كما أن النص بوضعه يعطى لوزير العدل مكنة استصدار أي قرار يمس إحدى الهيئات القضائية ويتدخل في شئونها ، دون موافقة رئيس هذه الهيئة أو حتى حضوره للمداولات بشأن هذا القرار .

·    خلا مشروع القانون من تحديد آلية قانونية تمكن صاحب الشأن من أعضاء الهيئات القضائية من ولوج أي طريق للتظلم من القرار الصادر بحقة ، بما يحصن القرارات الصادرة عن هذا المجلس من رقابة القضاء بالمخالفة لنص المادة 68 من الدستور المصري .

بشأن المادة الخامسة :

فقد جعل المشروع لمجلس الهيئات القضائية ، أمانة عامة يرأسها مساعد أول وزير العدل ، بما يضفي على هذا المجلس طابعاً تنفيذياً ، ممثلاً في عضوية وزير العدل لهذا المجلس ورئاسته له حال غياب رئيس الجمهورية ووجود أميناً عاماً للمجلس يتبع وزير العدل  وهو مساعد أول وزير العدل .

خاتمة

يرى المركز أن مشروع القانون على النحو المقدم به يمثل اعتداءً صارخاً على مبدأ استقلال القضاء وإهدار لضمانات استقلال القضاة ، كما يمثل – وهو ما يدعو إلى الدهشة – إلغاء للضمانات التى منحت للقضاة بموجب التعديلات الأخيرة لقانون السلطة القضائية رقم 142 لسنة 2006  والصادرة في 29 يونيو 2006 .

كما يرى المركز أن هذا المشروع يمثل مساسا واضحا بضمانات وحقوق القضاة وهيئاتهم العليا ، ومساسا بهيبة القضاة واستقلالهم من قبل السلطة التنفيذية ممثلة فى وزير العدل وإحكاماً لتغول وسيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية .

ويرى المركز ، انه قد يكون من الجيد عرض مشروع القانون على قضاة مصر ، وذلك للاسترشاد برأيهم في مشروع القانون المنظم لأعمال مهنتهم ، والمخاطبين بأحكامه ، وبحكم كونهم أقدر ، وعبر الممارسة العملية ، بفهم دقائق الأمور التي قد تدعم استقلالهم ، أو تخل به .

"وأنه ينبغي على الحكومات أن تراعي وتحترم في إطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية ، المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية ، ..."  . وذلك وفقاً لديباجة مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية  ، وكذلك إيلاء الاعتبار لنص المادة الأولى من المبادئ المشار اليها والتي تنص على أن " تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد وقوانينه . ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية .

 

                                                                                                                         رحوع