أسباب اعتراض البعض على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية |
|
|
|
مقدمه : تعد اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية و التي أقرت في مؤتمر روما الدبلوماسي المنعقد في الفترة من يونيو 15: 17- يوليو 1998 تحول فريداً في عالم الاتفاقيات الدولية . سواء أكان ذلك من حيث الموضوع أو من حيث الجدل القانوني و الفكري الذي أثارته فيما بعد ، فمن حيث الموضوع كان لحساسية مضمون الاتفاقية اثر كبير في تباين وجهات النظر خاصة و أنها تسعى إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة و مستقلة و فعالة من اجل نظر الجرائم الأكثر خطورة التي تشهدها البشرية ، و نظرا للاختلاف الكبير بين النظم القانونية و المفاهيم الثقافية و كذلك الأوضاع التشريعية للأسرة الدولية المكلفة بمناقشة قيود النظام الأساسي فكان من الطبيعي وجود بعض الاختلافات في فهم و تفسير العديد من قيود الاتفاقية. وعلى الجانب الآخر اعتقد أن حجم المناقشات و الاختلافات و المشاورات الغير رسمية التي أحدثها النظام الأساسي أثناء إعداده و إقراره و خلال انعقاد اللجان التحضيرية ، لم تشهدها اتفاقية دولية من قبل ، للدرجة التي يجعلها تتفق تماما مع ما قاله البرفوسير محمد عزيز شكري بأن ( اتفاقية روما و ما استحدثته من مفاهيم قانونية و قضائية و كذلك خلافات في وجهات النظر يمكن ان نقرر بأن هناك خرجيين لاتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية) إلا أن هذه الاختلافات سرعان ما تقلصت بعد مؤتمر روما و خلال انعقاد اللجان التحضيرية و أصبح النظام الأساسي واضحا بدرجة كبيرة ، إلا أن ذلك لا يمنع وجود بعض المواد و المفاهيم التي أثارت اعتراض البعض على النظام الأساسي ، و ربما تكون احد الأسباب في عدم تصديق العديد من دول العالم على النظام حتى الآن . و من ثم تأتي أهمية استعراض أهم تلك الاعتراضات و طرحها للحوار دائما . و سوف تتولى الورقة التعرض لبعض أهم أسباب الاعتراض على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وذلك على النحو التالي : 1. اعتراضات تتعلق بالموائمة الدستورية المترتبة على التصديق . 2. اعتراضات تتعلق ببعض الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة . 3. اعتراضات لعدم تعريف جريمة العدوان . 4. اعتراضات تتعلق باختصاص المحكمة من حيث الأشخاص. 5. اعتراضات تتعلق بسيادة القضاء الوطني . 6. اعتراضات تتعلق بسلطة مجلس الأمن . و سوف نتولى التفسير على النحو التالي: أولاً : الموائمة الدستورية المترتبة على التصديق : جاء إنشاء المحكمة الجنائية الدولية بموجب اتفاقية دولية متعددة الاطراف ( اتفاقية روما ) وهي تستلزم من الدول الراغبة في الانضمام اليها . التصديق عليها من قبل البرلمانات الوطنية ، و من المقرر ان يرتب التصديق على اتفاقية المحكمة ان يكون هناك توافقا و تطابقا بين احكام النظام الاساسي و بين دساتير البلدان المنضمة و كذلك تشريعاتها الداخلية ، بما يؤدي الى نفاذ احكام النظام الاساسي من حيث محاكمة مرتكبي الجرائم او من حيث الاختصاص بنظر الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة في النظام القضائي الوطني ، و هو ما يتطلب من بعض الدول الى احداث تعديلات دستورية لازمة لنفاذ النظام الاساسي واجراء تعديلات دستورية وتشريعية كبيرة للقوانين المحلية المخالفة لاحكامه. و نظرا للصعوبة التي تتطلبها اجراء تعديل دستوري خاصة فيما يتعلق بالحصانة الممنوحة للمسئولين و التي لا يقرها نظام روما . فقد كانت تلك الصعوبة في اجراء تعديل دستوري او تشريعي ، احد الاسباب التي ادت الى اعتراض بعض الدول على النظام الاساسي . و في الحقيقة فان هذا السبب قد تبدد لدى العديد من دول العالم التي سارعت بالتصديق على نظام روما ، واصبح هناك طرق بديلة عن صعوبات التعديل الدستوري . فمعظم الدول التي صدقت قد اتبعت اساليب مختلفة للتعديل ، فمنها من عدل دستوره و منها من اكتفى بتفسيره وفقا للنظام للاساسي ، وهو ما يؤكد انه لا توجد قاعدة عامة تحكم الموائمة الدستورية مع نظام روما مع اختلاف دساتير الدول ، وانه يتعين دراسة حالة كل دوله على حده . خاصة وان اغلبية دول العالم التي صدقت على الاتفاقية لجأت الى طريقة تفسيريه ( الدستور ) بما مؤداه توافق النظام الاساسي مع الاحكام الدستورية في حين حسمت بعض الدول امرها بإجراء تعديل دستورى مثل فرنسا التي اضافت المادة ( 53 / 2 ) التي تنص على ان " يجوز للجمهورية ان تقر اختصاص المحكمة الجنائية الدولية و فقا للمعاهدة الموقعة في 18/ يوليو 1998 و كذلك لوكسمبورج ، بينما دهبت بلجيكا الى التصديق على النظام الاساسي للمحكمة و ارجأت مسألة التعديلات الدستورية لمرحلة لاحقة . و يستخلص مما سبق بأن القلق المترتب على ضرورة احداث تعديلات دستورية و ما يصعبها من اجراءات بالغة التعقيد ، لم يعد له محل بعد ان تعددت الطرق المؤدية الى تلك الموائمة دون اتخاذ اجراءات صعبة و معقدة . ثانيا : الاعتراض المتعلق بتعريف بعض الجرائم فى النظام الأساسى : لقد شهدت صياغه النظام الأساسى للمحكمه اختلافا كبير فى تعريف الجرائم التى تدخل فى اختصاص المحكمه , ولم تكن هناك مشكله فىتعريف جريمة الأبادة الجماعية (م6 ) حيث أن مندوبين الدول قد اقروا حرفيا تقريبا هذا التعريف بناء على ما ورد في معاهدة الابادة الجماعية لعام 1948 ،[1] و نتيجة لذك يشترك النظام الاساسي مع المعاهدة في وجود نفس الثغرات في تعريف فئات الضحايا المشمولة بالحماية . و بالمقارنة نجد ان تعريف النظام الاساسي للجرائم ضد الانسانية (مادة 7) يوسع الى حد كبير نطاق التعريف الاصلي الوارد في المادة 6 ( ج ) من ميثاق نورمبرج ، و ايضا في المادة 5 من المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة و المادة 3 من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ، و الجدير بالذكر ان لغة المادة 7 واضحة الى حد كبير رغم ان الافعال المحظورة كانت مجرد مسميات لابد من تحديد عناصرها في المستقبل و هو ما يثير تساؤلات حول توافقها مع متطلبات مبادئ الشرعية الواردة في المادة [2]22 وتكمن معظم الاعتراضات على نص المادة (7 ) و التي تتناول تعريف و تحديد الجرائم ضد الانسانية التي تتضمن العديد من الافعال المجرمة وفقا للنظام الاساسي ، و هي جميعها مستقاه من المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، مثل الاعلان العالمي و العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية ، و اتفاقية مناهضة التعذيب و غيره من ضروب المعاملة اللانسانية ، و من ثم فقد انتقلت معظم التحفظات و الاعتراضات التي كانت توجه من بعض الدول ضد المواثيق الدولية لحقوق الانسان خاصة تلك التحفظات التي تتعلق بأن المواثيق لم تراعي بعض الخصوصية الثقافية و الاجتماعية لبعض البلدان . . الى النظام الاساسي و خاصة في تحديد الجرائم ضد الانسانية . و تأسيساً على ذلك يرى البعض فيما ذهبت اليه المادة 7 من النظام في تحديد الافعال المجرمة ما قد يكون غير مجرما وفقا للاوضاع التشريعية او الثقافية او ذات المرجعية الدينية في بعض البلدان ، و على سبيل المثال : ما نصت عليه المادة 7 فقر 1/ ك في تحديد الافعال المجرمة " الافعال اللاانسانية الاخرى ذات الطابع المماثل التي تسببت عمدا في معاناه شديدة او في اذى خطير يلحق بالجسم او بالصحة العقلية او البدنية " و هو ما فسره البعض بأن يمكن ان يستخدم ضد بعض النظم القضائية التي تشرع عقوبة مثل عقوبة الجلد او عقوبة بتر الايدي في جرائم السرقة او خلاف ذلك من العقوبات التي تقرر على اسس دينية في بعض البلدان. كذلك ما ذهبت اليه الفقرة 1/ ه من ذات المادة " السجن أو الحرمان الشديد على اي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الاساسية للقانون الدولي " وهو ما يعترض عليه البعض لإمكان ادراج بعض الافعال التي تمارس في بعض الدول مثل الاعتقال الاداري طويل الامد تحت طائلة التجريم. ثالثا : عدم تعريف جريمة العدوان . من ناحية اخرى تسبب عدم تعريف جريمة العدوان بأعتبارها احد الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ، الى اعتراض العديد من دول العالم خاصة العالم العربى لما تمثلة تلك الجريمة من اهمية بالغة ،تصل فى بعض الاحوال الى حد وصفها بأنها أم الجرائم . و لكن على الرغم من ذلك فان هذه الجريمة و سوف تصبح من اختصاص المحكمة بعد تعريفها و الموافقة عليها من قبل جمعية الدول الاطراف في حالة ما لم يكن هناك اجماع ، و بعد الموافقة على تعريف العدوان فأنه سيصبح التعريف قابلا للتطبيق على الدول الاطراف التي قامت بالتصديق على التعديل بعد عام من ايداع مستندات التصديق [3] وجدير بالذكر ان مصدر هذا الاعتراض قد اتى من المجموعة العربية , التى بذلت مجهودا كبيراً و غير مسبوق فى الأصرار على ادراج جريمة العدوان ضمن النظام الأساسى و نجحت بالفعل فى مؤتمر روما على جذب تأييد كبير من بعض دول أوروبا و المنظمات غير الحكومية فى ذلك . و هو ما ادى الى ايجاد صيغة توفيقية بأدراج جريمة العدوان على ان يرجئ تعريفها ( و هو الاهم ) الى وقت آخر بمعرفة جمعية الدول الاطراف الا ان موقف الدول العربية و قد توقف عند حد ادراج الجريمة ضمن النظام الاساسي ، و لم تسارع الدول العربية الى التصديق حتى تصبح ضمن اعضاء الدول الاطراف للمشاركة في تعريف جريمة العدوان . و تركت جمعية الدول الاطراف خالية من وجود المجموعة العربية بأستثناء الاردن و جيبوتي . وهو ما يجعل البعض يرى ان هذا الاعتراض غير جدي . رابعا : اختصاص المحكمة من حيث الاشخاص : لعل ما احدثه النظام الاساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية من جدل عظيم قد يتجلى بشكل واضح فيما انتهت اليه اختصاص المحكمة من حيث الاشخاص خاصة نص المادة (27 ) حيث نص على : 1. يطبق هذا النظام الاساسي على جميع الاشخاص بصورة متساوية دون اي تميز بسبب الصفة الرسمية . و بوجه خاص فإن الصفة الرسمية للشخص . سواء كان رئيسا لدولة او حكومة او عضواً في حكومة او برلمان او ممثلا منتخبا او موظفا حكوميا لا تعفيه بأي حال من الاحوال من المسئولية الجنائية بموجب هذا النظام الاساسي ، كما انها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتحقيق العقوبة . 2. لا تحول الحصانات او القواعد الاجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص ، سواء كانت في اطار القوانين الوطنية او الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص . و تعد المادة 27 من اكثر أسباب الاعتراضات شيوعا إلا إنها جاءت ضد مسألة بالغة الحساسية لمعظم بلدان و حكومات العالم و هي مسألة الحصانة و تختلف درجة أهمية المبادئ باختلاف النظم السياسية و كذلك الأوضاع الدستورية ، ففي حين تجاوزت معظم دساتير الدول التي صادقت على النظام الأساسي للمحكمة هذه المشكلة بقبولها و الموافقة علي عدم الاعتبار للصفة الرسمية ، مازالت بعض البلدان تجد صعوبة في تقبل هذا الأمر ، و تختلف درجة التقبل للمبدأ باختلاف نوعية الحصانة الممنوحة للرؤساء في الدساتير الوطنية ففي حين تقل وطاءه المبدأ و إمكان تطبيقه في الدول التي تمنح دساتيرها حصانة إجرائية فقط للرؤساء والملوك ، تظل المسألة بالغة الصعوبة و التعقيد في الدول التي تمنح دساتيرها حصانة اجرائية وموضوعية لرؤسائها تحميهم من المسألة أو المحاكمة و ما يستتبع ذلك من ضرورة إجراء تعديلا دستوريا يوقف العمل بالمواد الدستورية التي تتناقض مع المادة 27 من النظام الأساسي لروما . وهو أمر يترك تقديره إلى لوائح كل دولة على حده , و إن كان الأمر يتوقف على مدى تأكيد الروؤسأ و المسئولين بأنهم لا يشاركون بأية طريقة في ارتكاب جرائم سواء كفاعل أصلى أو شريك بالمساهمة أو التحريض . و هو الأمر الذي انتهت أليه النظم الملكية و الرئاسية في أوروبا حين قررت التصديق على النظام الأساسي للمحكمه . خامسا علاقة المحكمة بالقضاء الوطني . لعل من ابرز الخصائص المستخدمة في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو مبدأ التكامل بين قضاء المحكمة و القضاء الوطنى و هو ما حرص النظام الاساسي عليه في الفقرة 10 من الديباجة حين ذكر ( واذ تؤكد ان المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الاساسي ستكون محكمة للاختصاصات القضائية الجنائية الوطنية ) الا ان هناك من يرى في تفسير نصوص المواد 17 ، 20 فقرة 3 من النظام الاساسي و التي تتناول المسائل المتعلقة بالمقبولية او إعمال مبدأ عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين ما قد يؤدي الى التدخل بشكل او بآخر في اعمال القضاء الوطني منشأ هذه الاعتراض ياتي مما نصت المادة 17 من النظام الاساسي و التي ذهبت الى : 1. مع مراعاة الفقرة 10 من الديباجة و المادة 1 , تقرر المحكمة أن الدعوى غير مقبولة فى حالة ما : أ. اذا كانت تجري التحقيق او المقضاة في الدعوى دولة لها اختصاص عليها ، ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيقات و المقاضاة او غير قادرة على ذلك . ب. اذا كانت قد اجرت التحقيق في الدعوى دولة لها اختصاص عليها و قررت الدولة عدم مقاضاة الشخص المعني ، ما لم يكن القرار ناتجا عن عدم رغبة الدولة او عدم قدرتها على المقضاة . ج. اذا كان الشخص المعني قد سبق ان حوكم على السلوك موضوع الشكوى و لا يكون من الجائز للمحكمة اجراء محاكمة طبقا للفقرة 3 من الماده 20 ، د. أذا لم تكن الدعوى على درجة كافية من الخطورة تبرر اتخاذ المحكمة اجراء اخر . 2. لتحديد عدم الرغبة في دعوى معينة ، تنظر المحكمة في مدى توافر واحد او اكثر من الامور التالية ،حسب الحالة ، مع مراعاة اصول المحاكمات التي يعترف بها القانون الدولي : أ. جرى الاضطلاع بالتدابير او يجري الاضطلاع او جرى اتخاذ القرار الوطني بغرض حماية الشخص المعني من المسئولية الجنائية عن جرائم داخلة في اختصاص المحكمة على النحو المشار اليه في المادة (5 ) . ب. حدث تأخير لا مبرر في التدابير بما يتعارض في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة . ت. لم تباشر التدابير او لا تجري مباشرتها بشكل مستقل او نزيه او بوشرت او تجري مباشرتها على نحو لا يتفق ، في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة . ث. لتحديد عدم القدرة في دعوى معينة ، تنظر المحكمة فيما اذا كانت الدولة غير قادرة بسبب انهيار كلي او جوهري لنظامها القضائي الوطني او بسبب عدم توافره ، على احضار المتهم او الحصول على الادلة و الشهادة الضرورية او غير قادرة لسبب أخر على الاضطلاع بإجرائتها . و يمكن الاعتراض على ما ذهبت اليه المادة 17 في راي البعض الى ان العبارات الواردة في صلب المادة و التي مؤداها ان الاختصاص ينعقد للمحكمة الجنائية الدولية رغم نظر القضاء الوطني لذات الحالة في الاحوال الاتية ( ما لم تكن الدولة حقا غير راغبة او غير قادرة على تنفيذ التزاماتها في التحقيق او المقضاه ) ( م 17 ف أ ) " و ما لم يكن القرار ناتجا على عدم رغبة الدولة او قدرتها حقا في المقضاة " م 17 ف ب تلك العبارات تطرح تساؤل في اذهان المعترضين عن ما هي الجهة التي يحال اليها تحديد ما اذا كانت الدولة غير راغبة او غير قادرة على تنفيذ التزاماتها ، او كذلك من الذي يحدد ما اذا كانت الدولة راغبة او قادرة على المقضاة . و في الحقيقة لم يبعد الامر كثيرا حيث بادرت المادة 17/2 الى الاسراع في وضع معايير لتحديد عدم رغبة الدولة في نظر دعوى معنية . حتى لا يترك الامر لمجرد اعتقاد او استنتاج .حيث الزمت المحكمة في تحديد عدم رغبة الدول الى ان تنظر في توافر واحد او اكثر من الامور الاتية : 1. جرى الاضطلاع بالتدابير او يجري الاضطلاع بها او جرى اتخاذ القرار الوطني بفرض حماية الشخص المعني من المسئولية الجنائية عن جرائم داخلة في اختصاص المحكمة على النحو المشار اليه ف المادة 5 ( م 17 /2/أ ) 2. حدث تأخير لا مبرر في التدابير بما يتعارض في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة . ( م 17/2/ب) 3. لم تباشر التدابير او لا تجري مباشرتها بشكل مستقل او نزيه او بوشرت او تجري مباشرتها على نحو لا يتفق ، في هذه الظروف مع نية تقديم الشخص المعني للعدالة . ويستخلص مما سبق ان هناك معايير محددة يمكن القياس عليها اخرجت تحديد عدم رغبة الدولة من نطاق الاعتقاد و الاستنتاج الى نطاق الواقع و الحقائق التي يجوز تقييمها و اثباتها و ايضا تحديد عدم قدرة الدولة على نظر دعوى معينة ، فلم يترك الامر دون تفسير وحددت المادة 17 / 3 معايير ممكنة لتحديد عدم القدرة و ذلك بأن تنظر المحكمة فيما اذا كانت الدولة غير قادرة بسبب : 1. انهيار كلي و جوهري لنظامها القضائي او 2. عدم توافره وهي الحالات التي قد تمنع الدولة من الحصول على دليل ضروري او احضار المتهم و فقا لأحكام المادة 17/3 . و ترتيبا على ما سبق نرى ان التحفظات او الاعتراضات المؤسسة على مضمون المادة 17/3 او المادة 20 ، غير قائمة على دعائم قوية ، خاصة اذا ما سعت الدولة المنضمة الى ايجاد نظام قضائي جنائي كامل و فعال ، و ان يجري العمل به في مناخ تسوده الحيدة و الشفافية ، و هو ما يلقي بإمكانية الحد من المخاوف على عاتق الدول التي ترغب في الانضمام و التصديق و ذلك بتوفيرها المناخ القضائي الملائم الذي يستطيع ان يتفادى ملاحظات المادة 17/3 عليه . سادسا علاقة المحكمة بمجلس الامن : من ابرز المواد التي شكلت جدلا واسعا المادة 16 و التي تتعلق بارجاء التحقيق و المقضاة و التي تنص على " لا يجوز البدء او المضى في تحقيق او مقاضاة بموجب هذا النظام الاساسي لمدة اثنى عشر شهرا بناء على طلب من مجلس الامن الى المحكمة بهذا المعنى يتضمنه قرار يصدر عن المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة . و يجوز للمجلس تجديد هذا الطلب بالشروط ذاتها " فى حقيقة الامر قد اثارومازال يثير هذا النص مخاوف العديد من الدول ، لمايتضمنة من صلاحية لمجلس الامن فى امكانية وقف اجراءات التحقيق الى اجل غير مسمى ، وهناك جدلا واسعا فى امكانية الحد من قدرة المجلس على تجديد المدة ، إلا ان العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية و مجلس الامن ما هي الا تطبيق لسلطة مجلس الامن كما هي محددة في ميثاق الامم المتحدة و خاصة الفصل السابع و الذي يعطي للمجلس سلطة سياسية مطلقة فيما يتعلق بالامور التي تنطوي على حفظ و استعادة و بقاء السلام ، و يعطي ايضا الفصل السابع م 39 للمجلس سلطة فرض العقوبات لحفظ و بقاء السلام . و نتيجة لذلك فإن لمجلس الامن الحق في ان يحيل حاله للمحكمة الجنائية للتحقيق و اقامة الادعاء و من ناحية اخرى فان لمفهوم سلطات المجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة وفقا للمادة 16 منه يجوز لمجلس الامن ان يطلب وقف الاجراءات امام المحكمة الجنائية لمدة 12 شهرا و ذلك اذا ما رأى مجلس الامن ان الحالة التي رفع بموجبها الادعاء مما يشكل تهديدا للسلام و الامن ، كما نص عليه في ميثاق الامم المتحدة و بموجب السلطات المبينة في الميثاق فأن مجلس الامن يستطيع اصدار قرار من شأنه اتخاذ الاجراءات الملزمة لكل الدول الاعضاء في الامم المتحدة . و هكذا فإن لمجلس الامن الحق في ايقاف التحقيقات كما هو وارد في النظام الاساسي ووفقا لسلطاته المبينة بميثاق الامم المتحدة . و من ثم فالنظام الاساسي لا يقر لمجلس الامن الا بصلاحياته المبين بالميثاق و في حقيقة الامر ان النظام الاساسي يقيد هذه السلطات [4] الخاتمة : تلك كانت اهم و ابرز الاعتراضات التي تلاحظت للباحث من خلال متابعته و مشاركته منذ مؤتمر روما 1998 و اثناء انعقاد اللجان التحضيرية التي انعقدت بعد ذلك . و من خلال تولي مهام التنسيق لاعمال التحالف العربي من اجل المحكمة الجنائية الدولية . و نحن نؤكد ان هناك اعتراضات كثيرة و سوف تكون هناك ملاحظات اكثر اثناء قيام المحكمة و هي المرحلة الحقيقية التي تبرز ايه قصور في النظام الاساسي عند التطبيق على الواقع العملي ، لذلك نتوقع ان تعرض مقترحات عديدة بتعديلات على النظام الاساسي في المؤتمر الاستعراض الذي سوف يعقده الامين العام للامم المتحدة بعد مرور سبع سنوات من دخول النظام الاساسي حيز النفاذ و الذي من المقرر ان يستعرض ايه تعديلات على النظام الاساسي . و فقا لأحكام المادة 123 / 1 لذلك يلقى عبئ تطوير النظام الاساسي على مدى مساهمة الاسرة الدولية في الانضمام و التفاعل مع المحكمة في اعمالها ، من اجل إنجاح افضل انجاز حققته البشرية في مجال العدالة الجنائية الدولية و القضاء على ظاهرة الافلات من العقاب في الجرائم الاشد خطورة و التي ترتكب في حق البشرية . ناصر أمين المحامي مدير المركز العربي لاستقلال القضاء منسق التحالف العربي من اجل المحكمة الجنائية الدولية |
|