خلفية تاريخية عن أزمة إقليم دارفور

قدمت لمؤتمر

"المحكمة الجنائية الدولية وأزمة إقليم دارفور"

القاهرة فى 19 يناير 2008

إعداد أ.د هاني رسلان

                                                                                       مسئول ملف السودان وحوض النيل

                                                                                بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

 

مقدمة:

فى خطى متسارعة انتقلت أزمة دارفور من خانة الصراع الداخلى والأجندة المطلبية إلى حيز التدويل فى مسار تدفعه قوى هائلة، للسير على نفس المنوال والخطى التى سارت عليها مشكلة الجنوب من قبل، بل انها تجاوزت ازمة جنوب السودان من حيث التدويل الهائل الذى تم فى فترة زمنية وجيزة. حيث تجاوزت أزمة دارفور إطارها المحلى المحدود لكى تصبح قضية ذات أبعاد إقليمية ودولية،اتسمت بتعدد الفاعلين فى كل مستويات الصراع.  وقد بدأ ذلك  بوساطة تشاد  ومحاولاتها المتكررة والمتعثرة لاحتواء الأزمة، من خلال اتفاقية أبشى، ثم جولتى نجامينا الأولى والثانية، ثم انتقال هذه الوساطة إلى أديس أبابا ومن بعدها أبوجا مع تدخل الاتحاد الأفريقى وقراره بإرسال جنود لحماية مراقبى وقف إطلاق النار، ثم اتفاق ابوجا للسلام الذى تم توقيعة فى 5 مايو 2006 . غير ان الاتفاق لم يلبث ان تعثر فى التطبيق وترافق مع ذلك ظهور ازمة ارسال القوات الدولية الى الاقليم المضطرب عبر اصدار مجلس الامن لقراريه 1706 و1769 ثم التوافق على القوات الهجين التى بدأت فى الوصول بالفعل مع مطلع العام الجديد فى يناير 2008 .

 منذ ان بدأت فى 2003  استقطبت أزمة دارفور الاهتمام العالمى وشغلت كل وسائل الإعلام وأصبحت محطاً لزيارات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، ثم زيارة كل من وزير الخارجية الأمريكى كولن باول وكوفى عنان لمعسكرات اللاجئين، الأمر الذى أدى فى نهاية الأمر إلى تدخل مجلس الأمن فى 30يوليو2004 وإصداره القرار 1556 بشأن دارفور عقب تصويت الكونجرس الأمريكى بالإجماع على اعتبار ما يجرى فى دارفور إبادة جماعية تستوجب التدخل بإجراءات حاسمة للحيلولة دون تكرار ما حدث فى رواندا من مذابح عام 1994.

والان وبعد مضى اكثر من اربعة سنوات ونصف السنة منذ ادلاع الازمة ، ونتيجة للتصاعد المستمر وفشل كل محاولات الحل السياسى حتى الان، والتدخل الخارجى المباشر وغير المباشرأصبحت وحدة السودان وبقائه متماسكا معرضة للخطر من جراء هذه الأزمة وتداعياتها الخطيرة.

ويسعى هذا الإيجاز إلى عرض الملامح الرئيسية لأهم محاور تطور هذه الأزمة من خلال ما يلى من نقاط:

(1) الأوضاع الأثنية والإدارية فى الإقليم

يقع إقليم دارفور فى غرب السودان بين خطوط الطول 22 و 27 شرقاً، وخطوط العرض 10 و 16 شمالاً، وتبلغ مساحته الكلية حوالى 549 ألف كيلو متر مربع، ويشترك الإقليم فى الحدود السياسية مع كل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى بطول هائل مقداره 2450 كيلو متر مربع، تشارك فيه ليبيا بنسبة 12%، تشاد 53%، وأفريقيا الوسطى 35%، ويقدر العدد الإجمالى للسكان بنحو 6 مليون نسمة.

فى هذا الإطار يذكر أن إقليم دارفور يبعد عن ميناء بورتسودان فى أقصى شرق السودان بأكثر من ألفى كيلو متر، وعن الخرطوم العاصمة بحوالى 1600 كيلو متر، وعلى الرغم من أن خطوط السكك الحديدية قد أدخلت إلى السودان فى 1898 مع عودة الحكم الثنائى المصرى البريطانى إلا أنها لم تصل إلى دارفور إلا فى عام 1960 حين تم مدها إلى مدينة نيالا (جنوب دارفور). كما لا توجد أى شبكة طرق معبدة تربط إقليم دارفور بمناطق السودان الأخرى، وشبكة الطرق المقترحة والتى شرع فى تنفيذها نظام الإنقاذ مازالت تعانى من نقص التمويل، وحتى طريق الإنقاذ الغربى (الخرطوم، الأبيض، النهود، أم كداده، الفاشر، نيالا، الجنينه) والذى عد مشروعاً قومياً استراتيجياً وكان من المقترح أن يربط السودان بدول غرب أفريقيا ويربط مناطق الإنتاج بمراكز الاستهلاك والتصدير بتكلفة تصل إلى 245 مليون دولار(1) تعرض لإحدى عمليات  الفساد التى عطلت إتمامه. وهكذا بقيت دارفور كواحدة من أقل أجزاء السودان اندماجاً وأكثرها استعصاءاً على الحكم بسبب بعدها عن المركز وضعف الروابط التى تصلها به من مواصلات جيدة أو شبكة اتصالات فاعلة.

وتعد دارفور موطناً لخليط معقد تظل القبيلة فيه عنصراً أساسياً من عناصر الهوية، حيث توجد هناك 36 قبيلة أساسية على الأقل، يزداد عددها مع ازدياد البطون والفروع، وهذا الخليط يتكون من مجموعتين عرقيتين أساسيتين: إحداهما ذات أصول سامية عربية، والأخرى ذات أصول حامية أفريقية، وهى التى تعرف محلياً باسم (الزرقة أو السود) (2).

ومع أن المنطقة تسمى دارفور، مما يعنى أنها أرض قبيلة الفور، أكبر مجموعة عرقية فى المنطقة، إلا أن الإقليم ينقسم فعلياً إلى تقسيمات فرعية يطلق على كل منها اسم "دار" وتعنى "وطن"، وكل دار تشكل الهوية الاجتماعية والسياسية والثقافية للجموعة المحددة، إذ نرى فيها تجسيداً لمكانتها الاجتماعية وحياتها الجماعية وحيزها الثقافى، ولذلك وعلى الرغم من التقسيم الرسمى للإقليم إلى ولايات ومحافظات ومجالس .. الخ، فإن التقسيمات التقليدية إلى "دار" تظل هى الأكثر أهمية فى إطار الجماعات السلالية (الأثنية).

وتنقسم المنطقة تقليدياً إلى ثلاث ديار رئيسية، ففى الشمال دار زغاوة وفى الوسط دار الفور وفى الجنوب دار الرزيقات، كما أن للمجموعات الصغيرة الأخرى ديارها أيضاً (3).

وبالرغم من هذا التنوع إلا أن قروناً من التعايش والمصاهرة قد خفضت من تمايزات الهوية مختصرة إياها فى الشعور بالانتماء الثقافى للعالم العربى أو عدمه، أما من حيث العنصر فإن أفراد المجموعتين العربية وغير العربية يلتقيان فى اللون الأسود للبشرة(4)، مع ملاحظة أن أساليب كسب العيش فى دارفور تتوافق تماماً مع توزيع مجموعاتها السلالية أو الأثنية، وباستثناء الزغاوة الذين تخصصوا فى رعى الجمال تعتمد المجموعات الأفريقية المحلية على الزراعة، بينما تعيش المجموعات العربية الأصل على رعى الجمال فى شمال دارفور ويعرفون باسم "الأباله"، ورعى الأبقار فى جنوبها، حيث حزام السافنا الأخضر ويعرفون باسم "البقارة". وتجدر الإشارة هنا إلى أن أهل دارفور ينقسمون من حيث الانتماء العرقى أو الاثنى إلى قسمين كبيرين كالتالى:

 القسم الأول ويضم القبائل الأفريقية وأهمها الفور والزغاوة والمساليت والبرتي والتاما والقمر والفلاته، والقسم الثاني ويضم القبائل العربية وأهمها‏:‏ التعايشة والهبانية وبني هلبة والزريقات والمسيرية والمعاليا‏.‏ وأهمية الإشارة إلي هذا التقسيم تنبع من انعكاسها بشكل مباشر علي طبيعة الصراع وآلياته وأيضا آفاق تطوره فالحركات المقاتلة تنتمي قياداتها ومعظم قاعدتها الاجتماعية إلي قبيلتي الفور والزغاوة واجزاء من قبيلة المساليت بينما تنتمي معظم ميلشيات‏'‏ الجنجويد‏'‏ التي إرتبط إسمها بأعمال النهب المسلح إلى القبائل العربية.

   أما على المستوى الإدارى فقد تم تقسيم إقليم دارفور منذ فبراير 1991 إلى ثلاث ولايات: شمال دارفور وعاصمتها الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمتها نيالا، وغرب دارفور وعاصمتها الجنينه، وهذه الولايات تنقسم بدورها إلى عدة محافظات، وكل محافظة إلى مجالس حضرية ومجالس ريفية. وقد تعرض هيكل التوزيع الداخلى للولايات إلى بعض التعديلات فيما بعد نتيجة للضغوط السياسية المتواصلة التى تقف خلفها قيادات قبلية وعشائرية تدعو إلى زيادة عدد المحليات، ففى عام 1993 كانت ولاية شمال دارفور تضم 4 محافظات مقسمة إلى 24 محلية جرت زيادتها إلى 30 محلية فى عام 1997 نتيجة لإعادة التوزيع وفقاً لمعيار السكان (30 ألف لكل محلية)، وهو الأمر الذى أدى أيضاً إلى زيادة المحليات فى ولاية جنوب دارفور من 38 محلية إلى 50 محلية، وفى جنوب دارفور من 28 إلى 30 محلية (5). ومع حدوث نوع من التطابق بين القبائل والوحدات الإدارية المحلية، أدى ذلك إلى إذكاء الخلافات حول الحدود والوصول للموارد، وقد كان لهذا الأمر انعكاساته السلبية على خلق توترات أكبر فى الإقليم، وعلى إحداث نوع من التحول فى طبيعة الصراع فى دارفور عن طريق تطابق خطوط الانقسامات الأثنية والجغرافية بشكل متزايد. وخلال العقود الثلاثة الماضية وقعت عدة نزاعات تقليدية حول الموارد بين المجموعات العربية وغير العربية أو داخل المجموعة الواحدة بلغت 3 نزاعات فى الفترة من ( 1968 – 1978 ) و 5 نزاعات فى الفترة من (1976 – 1980) وواحد وعشرين نزاعاً فى الفترة من (1980 – 1998)، إلا أن أكبر هذه الصراعات وأهمها كان صراع الفور – العرب (1987 – 1989)، وصراع المساليت – العرب (1996 – 1998) حيث أصبحت الأثنية عنصراً هاماً فى التعبئة للصراعات وذلك على خلفية ازدياد التصحر والتدهور البيئى وانتشار السلاح فى الإقليم نتيجة الحرب الليبية التشادية، والحروب الأهلية فى تشاد نفسها، وكذلك نتيجة لضعف الحكومة المركزية ومناوراتها المرتكزة على النسيج الاجتماعى فى عهدى الديمقراطية الثالثة والإنقاذ، والناتجة بشكل أساسى عن إفرازات الحرب الأهلية فى جنوب السودان ومحاولة الحكومات السودانية احتواء التهديد الذى فرضته الحركة الشعبية لتحرير السودان عبر محاولاتها المتكررة لمد نطاق الحرب إلى دارفور لتطويق حكومة الخرطوم وتشتيت جهدها العسكرى، فقامت حكومة الصادق المهدى فى منتصف الثمانينات بتسليح قبيلة الرزيقات فى جنوب دارفور، كما اضطر نظام الإنقاذ الحالى إلى مواجهة التمرد الذى قاده داوود يحيى بولاد عام 1991 بعد أن أعلن انضمامه للحركة الشعبية وأمدته هذه الأخيرة بالعتاد وخمسة آلاف من المقاتلين، إلا أن هذا التمرد فشل فى تحقيق أهدافه وقضى عليه بالكامل بعد أن فشل فى تحقيق اهدافه .

                                                                                     إعداد أ.د هاني رسلان

                                                                                       مسئول ملف السودان وحوض النيل

                                                                                بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

Back